سورة غافر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)}
{أَنَّهُمْ أصحاب النار} في محل الرفع بدل من {كَلِمَةُ رَبِّكَ} أي: مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار. ومعناه: كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل، كذلك وجب هلاكهم بعذاب النار في الآخرة، أو في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل. والذين كفروا: قريش، ومعناه، كما وجب إهلاك أولئك الأمم، كذلك وجب إهلاك هؤلاء؛ لأن علة واحدة تجمعهم أنهم من أصحاب النار. وقرئ: {كلمات}.


{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}
روي: أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتفكروا في عظم ربكم ولكن تفكروا فيما خلق الله من الملائكة، فإن خلقاً من الملائكة يقال له إسرافيل: زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى، وقد مرق رأسه من سبع سموات، وأنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كأنه الوصع» وفي الحديث: «إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا يروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة» وقيل: خلق الله العرش من جوهرة خضراء، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام. وقيل: حول العرش سبعون ألف صنف من الملائكة، يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر.
وقرأ ابن عباس: {العرش} بضم العين.
فإن قلت: ما فائدة قوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} ولا يخفى على أحد أنّ حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم مؤمنون؟ قلت: فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح لذلك، وكما عقب أعمال الخير بقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ} [البلد: 17] فأبان بذلك فضل الإيمان. وفائدة أخرى: وهي التنبيه على أن الأمر لو كان كما تقول المجسمة، لكان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين، ولما وصفوا بالإيمان؛ لأنه إنما يوصف بالإيمان، الغائب فلما وصفوا به على سبيل الثناء عليهم، علم أنّ إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء: في أنّ إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير، وأنه لا طريق إلى معرفته إلاّ هذا، وهو منزه عن صفات الإجرام. وقد روعي التناسب في قوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ}، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} كأنه قيل: ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم. وفيه تنبيه على أنّ الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة، وأبعثه على إمحاض الشفقة وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن. فإنه لا تجالس بين ملك وإنسان، ولا بين سماوي وأرضي قط، ثم لما جاء الإيمان جاء معه التجانس الكلي والتناسب الحقيقي، حتى استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض. قال الله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الارض} [الشورى: 5]. أي: يقولون: {رَبَّنَا} وهذا المضمر يحتمل أن يكون بياناً ليستغفرون مرفوع المحل مثله، وأن يكون حالاً.
فإن قلت: تعالى الله عن المكان، فكيف صحّ أن يقال: وسع كل شيء؟ قلت: الرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى. والأصل: وسع كل شيء رحمتك وعلمك، ولكن أزيل الكلام عن أصله بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم، وأخرجا منصوبين على التمييز للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم، كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شيء.
فإن قلت: قد ذكر الرحمة والعلم فوجب أن يكون ما بعد الفاء مشتملاً على حديثهما جميعاً، وما ذكر إلاّ الغفران وحده؟ قلت: معناه فاغفر للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيلك. وسبيل الله: سبيل الحق التي نهجها لعباده ودعا إليها {إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} أي: الملك الذي لا يغلب، وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئاً إلاّ بداعي الحكمة وموجب حكمتك أن تفي بوعدك {وَقِهِمُ السيئات} أي: العقوبات. أو جزاء السيئات. فحذف المضاف على أن السيئات هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها. والوقاية منها: التكفير أو قبول التوبة.
فإن قلت: ما الفائدة في استغفارهم لهم وهم تائبون صالحون موعودون المغفرة والله لا يخلف الميعاد؟ قلت: هذا بمنزلة الشفاعة، وفائدته زيادة الكرامة والثواب. وقرئ: {جنة عدن} {وصلَح}، بضم اللام، والفتح أفصح. يقال: صلح فهو صالح، وصلح فهو صليح، و {ذريتهم}.


{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)}
أي: ينادون يوم القيامة، فيقال لهم: {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ} والتقدير: لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، فاستغنى بذكرها مرة. و{إِذْ تُدْعَوْنَ} منصوب بالمقت الأوّل. والمعنى: أنه يقال لهم يوم القيامة: كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر، حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان، فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشدّ مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذا أوقعتكم فيها باتباعكم هواهنّ.
وعن الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم، فنودوا لمقت الله. وقيل: معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض، كقوله تعالى: {يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25] و{إِذْ تُدْعَوْنَ}: تعليل، والمقت: أشدّ البغض، فوضع في موضع أبلغ الإنكار وأشدّه {اثنتين} إماتتين وإحياءتين. أو موتتين وحياتين. وأراد بالإماتتين: خلقهم أمواتاً أوّلاً، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم، وبالإحيائتين الإحياءة الأولى وإحياءة البعث. وناهيك تفسيراً لذلك قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] وكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فإن قلت: كيف صحّ أن يسمى خلقهم أمواتاً: إماتة؟ قلت: كما صحّ أن تقول: سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل! وقولك للحفار: ضيق فم الركية ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة، ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معاً على المصنوع الواحد، من غير ترجح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة. فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه، ومن جعل الإماتتين التي بعد حياة الدنيا والتي بعد حياة القبر لزمه ثلاث إثبات إحياءات، وهو خلاف ما في القرآن، إلاّ أن يتمحل فيجعل إحداها غير معتدّ بها، أو يزعم أن الله تعالى يحييهم في القبور، وتستمرّ بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها، ويعدّهم في المستثنيين من الصعقة في قوله تعالى {إِلاَّ مَن شَاء الله} [النمل: 78].
فإن قلت: كيف تسبب هذا لقوله تعالى: {فاعترفنا بِذُنُوبِنَا}؟ قلت: قد أنكروا البعث فكفروا، وتبع ذلك من الذنوب ما لا يحصى؛ لأن من لم يخش العاقبة تخرق في المعاصي، فلما رأوا الإماتة والإحياء قد تكرّرا عليهم، علموا بأن الله قادر على الإعادة قدرته على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ} أي: إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء {مّن سَبِيلٍ} قط، أم اليأس واقع دون ذلك، فلا خروج ولا سبيل إليه. وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط، وإنما يقولون ذلك تعللاً وتحيراً؛ ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك، وهو قوله: {ذَلِكُم} أي؛ ذلكم الذي أنتم فيه، وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد الله وإيمانكم بالإشراك به {فالحكم للَّهِ} حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد: وقوله: {العلى الكبير} دلالة على الكبرياء والعظمة، وعلى أن عقاب مثله لا يكون إلاّ كذلك، وهو الذي يطابق كبرياءه ويناسب جبروته. وقيل: كأن الحرورية أخذوا قولهم: لا حكم إلاّ لله، من هذا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8